فصل: تفسير الآيات (20- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (20- 24):

{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
{وإن أردتم...} الآية. أي: إذا أراد الرَّجل طلاق امرأته، وتزوَّج غيرها لم يكن له أن يرجع فيما آتاها من المهر، وهو قوله: {وآتيتم إحداهنَّ قنطاراً} أَيْ: مالاً كثيراً {فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً} ظلماً {وإثماً مبيناً} وفي هذا نَهْيٌّ عن الضِّرار في غير حال الفاحشة، وهو أنْ يضارَّها لتفتدي منه من غير أَنْ أتت بفاحشة.
{وكيف تأخذونه} أَي: المهر أو شيئاً منه {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} أَيْ: وصل إليه بالمجامعة، ولا يجوز الرُّجوع في شيءٍ من المهر بعد الجماع {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} وهو ما أخذه الله على الرِّجال للنِّساء من إمساكٍ بمعروفٍ، أو تسريحٍ بإحسانٍ.
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم...} الآية. كان الرَّجل من العرب يتزوَّج امرأة أبيه من بعده، وكان ذلك نكاحاً جائزاً في العرب، فحرَّمه الله تعالى ونهى عنه، وقوله: {إلاَّ ما قد سلف} يعني: لكن ما قد سلف فإنَّ الله تجاوز عنه {إنَّه} أيْ: إنَّ ذلك النِّكاح {كان فاحشة} زنا عند الله {ومقتاً} بغضاً شديداً {وساء سبيلاً} وقَبُحَ ذلك الفعل طريقاً، ثمَّ ذكر المحرَّمات من النِّساء فقال: {حرِّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم} جمع الرَّبيبة، وهي بنت امرأة الرَّجل من غيره {اللاتي في حجوركم} أيْ: في ضمانكم وتربيتكم {وحلائل} وأزواج {أبنائكم الذين من أصلابكم} لا مَنْ تبنَّيتموه {وأن تجمعوا} أَيْ: الجمع {بين الأختين إلاَّ ما قد سلف} مضى منكم في الجاهلية، فلا تُؤاخذون به بعد الإِسلام.
{والمحصنات} وذوات الأزواج {من النساء} وهنَّ مُحرَّمات على كلِّ أحدٍ غير أزواجهنَّ إلاَّ ما ملكتموهنَّ بالسَّبي من دار الحرب؛ فإنَّها تحلُّ لمالكها بعد الاستبراء بحيضة {كتاب الله عليكم} كتب تحريم ما ذكر من النِّساء عليكم {وأحلَّ لكم ما وراء ذلكم} أَيْ: ما سوى ذلكم من النِّساء {أن تبتغوا} أَيْ: تطلبوا بأموالكم؛ إمَّا بنكاحٍ وصداقٍ؛ أو بملكِ يمينٍ {محصنين} ناكحين {غير مسافحين} زانين {فما استمتعتم} فما انتفعتم وتلذَّذتم {به منهنَّ} أي: من النساء بالنِّكاح الصَّحيح {فآتوهنَّ أجورهنَّ} أَيْ: مهورهنَّ {فريضة}، فإن استمتع بالدُّخول بها آتى المهر تامّاً، وإن استمتع بعقد النِّكاح آتى نصف المهر {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} من حطِّ المهر أو إبراءٍ من بعض الصَّداق أو كلِّه {إنَّ الله كان عليماً} بما يصلح أمر العباد {حكيماً} فيما بيَّن لهم من عقد النِّكاح.

.تفسير الآيات (25- 30):

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{ومَنْ لم يستطع منكم طولاً} أَيْ: قدرةً وغنىً {أن ينكح المحصنات} الحرائر {المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم} أَيْ: فليتزوَّج ممَّا ملكت أيمانكم. يعني: جارية غيره {من فتياتكم} أَيْ: مملوكاتكم {المؤمنات والله أعلم بإيمانكم} أَي: اعملوا على الظَّاهر في الإِيمان؛ فإنَّكم مُتعبَّدون بما ظهر، والله يتولَّى السَّرائر {بعضكم من بعض} أَيْ: دينكم واحدٌ، فأنتم متساوون من هذه الجهة، فمتى وقع لأحدكم الضَّرورة جاز له تزوُّج الأَمَة {فانكحوهنَّ بإذن أهلهن} أَي: اخطبوهنَّ إلى ساداتهنَّ {وآتوهنَّ أجورهنَّ} مهورهنَّ {بالمعروف} من غير مطلٍ وضرارٍ {محصنات} عفائفَ {غير مسافحات} غير زوانٍ علانيةً {ولا متخذات أخذان} زوانٍ سرَّاً {فإذا أُحصن} تزوَّجن {فإن أتين بفاحشة} بزنا {فعليهنَّ نصف ما على المحصنات} الأبكار الحرائر {من العذاب} أَي: الحدِّ. {ذلك} أَيْ: ذلك النِّكاح نكاح الأَمَة {لمن خشي العنت منكم} أَيْ: خاف أن تحمله شدَّة الغِلمة على الزِّنا، فيلقى العنت، أَي: الحدَّ في الدُّنيا، والعذاب في الآخرة. أَباحَ الله نكاح الأمَة بشرطين: أحدهما: عدم الطَّول، الثاني: خوف العَنَت. ثمَّ قال: {وأن تصبروا} أَيْ: عن نكاح الإِماء {خيرٌ لكم} لئلا يصير الولد عبداً.
{يريدُ الله ليبيِّن لكم} شرائع دينكم، ومصالح أمركم {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السَّلام، وهو دين الحنيفيَّة {ويتوب عليكم} يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته.
{واللَّهُ يريد أن يتوب عليكم} أَيْ: يُخرجكم من كلِّ ما يكره إلى ما يحبُّ ويرضى، {ويريد الذين يتبعون الشهوات} وهم الزُّناة وأهل الباطل في دينهم {أن تميلوا} عن الحقِّ وقصد السِّبيل بالمعصية {ميلاً عظيماً} فتكونوا مثلَهم.
{يريد الله أن يخفف عنكم} في كلِّ أحكام الشَّرع {وخلق الإِنسان ضعيفاً} يضعف من الصَّبر عن النِّساء.
{يا أَيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وهو كلُّ ما لا يحلُّ في الشَّرع، كالرِّبا، والغصب، والقمار، والسَّرقة، والخيانة {إلاَّ أن تكون تجارةً} لكن إن كانت تجارة {عن تراضٍ منكم} برضى البَيِّعْين فهو حلال {ولا تقتلوا أنفسكم} لا يقتل بعضكم بعضاً.
{ومَنْ يفعل ذلك} أَيْ: أكل المال بالباطل وقتل النَّفس {عدواناً} وهو أن يعدوَ ما أُمر به {وظُلماً فسوف نصليه} أَيْ: نُدخله ناراً {وكان ذلك على الله يسيراً} أَيْ: هو قادر على ذلك، ولا يتعذَّر عليه.

.تفسير الآيات (31- 35):

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} وهي كلُّ ذنبٍ ختمه اللَّهُ بنارٍ، أو غضبٍ، أو لعنةٍ، أو عذابٍ، أو وعيدٍ في القرآن {نكفر عنكم سيئاتكم} التي هي دون الكبائر بالصَّلوات الخمس {وندخلكم مدخلاً كريماً} أَيْ: الجنَّة.
{ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض...} الآية. قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، ليتنا كنَّا رجالاً، فجاهدنا وغزونا، وكان لنا مثل أجر الرِّجال، فنزلت هذه الآية. {للرجال نصيب} ثواب {مما اكتسبوا} من الجهاد {وللنساء نصيبٌ} ثوابٌ {ممَّا اكتسبن} من حفظ فروجهنَّ وطاعة أزواجهنَّ {واسألوا الله من فضله} إن احتجتم إلى مَا لِغَيركم فيعطيكم من فضله.
{ولكلٍّ} أَيْ: ولكلِّ شخصٍ من الرِّجال والنِّساء {جعلنا موالي} عصبة وورثة {ممَّا ترك الوالدان والأقربون} أَيْ: ممَّن تركهم والداه وأقربوه، أَيْ: تشعَّبت العصبة والورثة عن الوالدين والأقربين، ثمَّ ابتدأ فقال: {والذين عقدت أيمانكم} وهم الحلفاء، أَيْ: عاقدت حلفَهم أيمانُكم، وهي جمع يمين من القَسَم، وكان الرَّجل في الجاهليَّة يعاقد الرَّجل، ويقول له: دمي دمُّك، وحربي حربُك، وسلمي سلمُك، فلمَّا قام الإِسلام جعل للحليف السُّدس، وهو قوله: {فآتوهم نصيبهم} ثمَّ نسخ ذلك بقوله: {وأولوا الأرحام بعضُهم أولى ببعضٍ في كتاب الله} {إنَّ الله كان على كلّ شيء شهيداً} أَيْ: لم يغب عنه علم ما خلق.
{الرجال قوَّامون على النساء} على تأديبهنَّ والأخذ فوق أيديهنَّ {بما فضَّل الله} الرِّجال على النِّساء بالعلم، والعقل، والقوَّة في التَّصرف، والجهاد، والشَّهادة، والميراث {وبما أنفقوا} عليهنَّ {من أموالهم} أَي: المهر والإِنفاق عليهنَّ {فالصالحات} من النِّساء اللواتي هنَّ مطيعاتٌ لأزواجهنَّ، وهو قوله: {قانتات حافظاتٌ للغيب} يحفظن فروجهنَّ في غيبة أزواجهنَّ {بما حفظ الله} بما حفظهنَّ الله في إيجاب المهر والنَّفقة لهنَّ، وإيصاء الزَّوج بهنَّ {واللاتي تخافون} تعلمون {نشوزهنَّ} عصيانهنَّ {فعظوهنَّ} بكتاب الله، وذكِّروهنَّ الله وما أمرهنَّ به {واهجروهن في المضاجع} فرِّقوا بينكم وبينهم في المضاجع في الفرش {واضربوهنَّ} ضرباً غير مبرِّح شديد، وللزَّوج أن يتلافى نسوز امرأته بما أذن الله تعالى فيه، يعظها بلسانه، فإنْ لم تنتهِ هجر مضجعها، فإنْ أبت ضربها، فإن أبت أن تتَّعظ بالضرب بُعثَ الحكمان {فإن أطعنكم} فيما يُلتمس منهنَّ {فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً} لا تتجنَّوا عليهنَّ من العلل.
{وإنْ خفتم} علمتم {شقاق بينهما} علمتم خلافاً بين الزَّوجين {فابعثوا حكماً} أَيْ: حاكماً وهو المانع من الظُّلم من أقاربه {وحَكَماً من أهلها} حتى يجتهدا وينظرا الظَّالم منهما، فيأمراه بالرُّجوع إلى ما أمر الله، أو يُفرِّقا إنْ رأيا ذلك {إن يريدا} أَي: الحكمان {إصلاحاً يوفق الله بينهما} مِن الزَّوج المرأة بالصَّلاح {إنَّ الله كان عليماً خبيراً} بما في قلوب الزَّوجين والحكمين.

.تفسير الآيات (36- 42):

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
{وبالوالدين أحساناً} أَيْ: أحسنوا بهما إحساناً، وهو البرُّ مع لين الجانب {وبذي القربى} وهو ذو القرابة يصله ويتعطَّف عليه {واليتامى} يرفق بهم ويُدنيهم {والمساكين} ببذلٍ يسيرٍ، أو ردٍّ جميلٍ {والجار ذي القربى} وهو الذي له مع حقِّ الجوار حقُّ القرابة {والجار الجنب} البعيد عنك في النَّسب {والصاحب بالجنب} هو الرَّفيق في السَّفر {وابن السبيل} عابر الطَّريق. وقيل: الضيف يؤويه ويطعمه حتى يرحل {وما ملكت أيمانهم} أَيْ: المماليك {إنَّ الله لا يحبُّ مَنْ كان مختالاً} عظيماً في نفسه لا يقوم بحقوق الله {فخوراً} على عباده بما خوَّله الله من نعمته.
{الذين يبخلون} أي: اليهود. بخلوا بأموالهم أن ينفقوها في طاعة الله تعالى {ويأمرون الناس بالبخل} أمروا الأنصار ألا ينفقوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنَّا نخشى عليكم الفقر {ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} أَيْ: ما في التَّوراة من أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ونعته.
{والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} أَيْ: المنافقين {ومَنْ يكن الشيطانُ له قريناً} يسوِّل له ويعمل بأمره {فساء قريناً} بئس الصَّاحب الشَّيطان.
{وماذا عليهم} أَيْ: على اليهود والمنافقين، أَيْ: ما كان يضرُّهم {لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا ممَّا رزقهم الله وكان الله بهم عليماً} لا يُثيبهم بما ينفقون رئاء النَّاس.
{إنَّ الله لا يظلم} لا ينقص أحداً {مثقال} مقدار {ذرة} إن كان مؤمناً أثابه عليها الرِّزق في الدُّنيا، والأجر في الآخرة، وإنْ كان كافراً أطعمه بها في الدُّنيا {وإن تك حسنة} من مؤمنٍ {يضاعفها} بعشرة أضعافها {ويؤتِ مِنْ لدنه} من عنده {أجراً عظيماً} وهو الجنَّة.
{فكيف} أَيْ: فكيف يكون حال هؤلاء اليهود والمنافقين يوم القيامة؟، وهذا استفهامٌ ومعناه التَّوبيخ {إذا جئنا من كلِّ أُمَّة بشهيدٍ} أَيْ: بِنبيِّ كلِّ أُمَّةٍ يشهد عليها ولها {وجئنا بك} يا محمَّد {على هؤلاء شهيداً} على هؤلاء المنافقين والمشركين شهيداً تشهد عليهم بما فعلوا.
{يومئذٍ} أَيْ: في ذلك اليوم {يودُّ الذين كفروا وعصوا الرسول} وقد عصوه في الدُّنيا {لو تسوَّى بهم الأرض} أَيْ: يكونون تراباً، فيستوون مع الأرض حتى يصيروا وهي شيئاً واحداً {ولا يكتمون الله حديثاً} لأنَّ ما عملوه ظاهرٌ عند الله لا يقدرون على كتمانه.

.تفسير الآيات (43- 44):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)}
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} أَيْ مواضع الصَّلاة، أيْ: المساجد {وأنتم سكارى} نُهوا عن الصَّلاة وعن دخول المسجد في حال السُّكْر، وكان هذا قبل نزول تحريم الخمر، وكان المسلمون بعد نزول هذه الآية يجتنبون السُّكْر والمُسكر أوقات الصَّلاة، والسَّكران: المُختلط العقل الذي يهذي، ولا يستمرُّ كلامه، ألا ترى أنَّ الله تعالى قال: {حتى تعلموا ما تقولون} فإذا علم ما يقول لم يكن سكران، ويجوز له الصَّلاة ودخول المسجد {ولا جُنباً} أَيْ: ولا تقربوها وأنتم جنبٌ {إلاَّ عابري سبيل} إلاَّ إذا عبرتم المسجد فدخلتموه من غير إقامةٍ فيه {حتى تغتسلوا} من الجنابة {وإنْ كنتم مرضى} أَيْ: مرضاً يضرُّه الماء كالقروح، والجُدّري، والجراحات {أو على سفر} أَيْ: مسافرين {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} أو الحدث {أو لامستم النساء} أَيْ: لمستموهنَّ بأيديكم {فلم تجدوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صعيداً طيباً} تمسَّحوا بترابٍ طيِّبٍ مُنبتٍ.
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب} وهم اليهود {يشترون الضلالة} أَيْ: يختارونها على الهدى بتكذيب محمَّدٍ عليه السَّلام {ويريدون أن تضلوا السبيل} أن تضلُّوا أيُّها المؤمنون طريق الهدى.